مبحث الحيض والنفاس


من مهمات الدِّين والتفقُّه فيه معرفة الحيض والنفاس وأحكامهما. ومن ثم كان واجب على الرجال أن يعلموا نساءهم هذه الأحكام، فإذا لم يفعلوا وجب على النساء أن يستفتين العلماء، كما كانت نساء الأنصار يفعلن، ولم يستحين أن يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 ولنتكلم في هذا الموضوع كلمة موجزة:


تعريف الحيض

هو دم يخرج من المرأة حال صحتها من وقت البلوغ إلى سن اليأس.

 

وشرطه: أن يكون على لون من ألوان الدم، وهي الحُمْرة والصُّفْرة والكُدْرة والتوسُّط بين السواد والبياض؛ فلو رأت بياضًا خالصًا فإنه لا يكون حيضًا.

 

واختلف العلماء فيما تراه الحامل من الدم وهو نادر؛ 

- فقالت المالكية والشافعية: إنه يعتبر حيضًا، 

- وقالت الحنفية والحنابلة: إنه دم فاسد لا تترتب عليه أحكام الحيض.

 

ولا بأس أن نلخص هنا كلمة عن كتاب "تدبير الصحة" للدكتور محمود ناشد بك، قال : 

" الحيض هو الدم الذي ينزل من الرحم مدة ثلاثة أيام أو خمسة كل شهر تقريبًا، وقد يستمر نزوله سبعة أيام أو ثمانية، ويبتدئ نزوله من سن البلوغ الذي يختلف باختلاف البنية والأقاليم، وينقطع في سن اليأس؛ أي متى بلغت المرأة خمسًا وخمسين سنة، وقد ينقطع قبل ذلك، ويقف نزوله في زمن الحمل وفي زمن الرضاعة كلها أو بعضها، وكمية الدم الخارج في كل حيضة تتراوح بين مائة وخمسمائة جرام، فإذا تجاوزت هذا القدر تعد المرأة مصابة بالنزيف ".


مدة الحيض والطُّهْر

أقل الحيض بالنظر للعبادة: دفقة واحدة؛ فمن نزل منها دفقة واحدة في لحظة اعتُبرت حائضًا، تفطر من أجلها وتغتسل.

وأقله بالنظر للعدة والاستبراء: تدفقه يومًا أو بعض يوم.

وأقصى مدة للحيض: خمسة عشر يومًا، 

وأقل مدة للطهر خمسة عشر يومًا كذلك.

 

والحائض 

- إما مُبتَدَأة   : أي لم يسبِقْ لها حيض، 

- وإما معتادة : أي سبق لها نزول الدم، ولو مرة واحدة، 

ولكل منهما حكم خاص.

 - فأما المبتدأة: فأقصى مدة حيضها نصف شهر، فإن استمر بها نزول الدم بعد ذلك فهو دم علة وفساد، تصوم به وتصلي بعد أن تغتسل.

- وأما المعتادة: فأقصى مدة حيضها ثلاثة أيام زيادة على أكثر عادتها

 فمن اعتادت ثلاثة أيام - مثلًا - تضم إليها ثلاثة أخرى لو استمر الدم، وفي بدء اليوم السابع تغتسل وتصوم وتصلي ولا تبالي بما نزل بعد، 

فإن اعتادت أربعة أيام وخمسة واستمر بها الدم، ضمت ثلاثة أيام إلى الخمسة، وفي بدء التاسع تغتسل وتصوم وتصلي، وعند حيضها مرة أخرى تعتبر عادتها ثمانية أيام وتزيد ثلاثة أخرى لو استمر الدم؛ لأن العادة تثبت بمرة واحدة.

 

ومحل الاستظهار - أي الزيادة بثلاثة أيام - ما لم تُجاوز نصف الشهر؛ 

- فمن اعتادت نصف شهر فلا استظهار عليها، 

- ومن اعتادت أربعة عشر يومًا استظهرت بيوم واحد فقط، 

- ومن تمادى بها الدم فوق المدة المقدَّرة شرعًا فإنها تسمى مستحاضة.

 مدة الطهر

تقدم أن أقل الطهر خمسة عشر يومًا؛ فمن انتهت حيضتها ثم رأت دمًا جديدًا فلا يُعَد حيضًا إلا إذا مرَّ عليها خمسة عشر يومًا، وإذا لم تنتهِ الحيضة فإنها تُلَفِّق أيام الحيض فقط، ومعنى التلفيق: ضمُّ أيام الدم بعضها إلى بعض حتى تكمل الحيضة.

 

وهذان مثالان:

(أ) مبتدَأة ينزل بها الدم يومًا أو يومين وينقطع يومًا أو يومين أو ثلاثة؛ فحكمها: أنها تمتنع عن الصوم والصلاة أيام الدم، وتغتسل وتصلي وتصوم في أيام الانقطاع ما دامت أيام الانقطاع لم تبلغ خمسة عشر، ولا تزال هكذا حتى تكمل خمسة عشر في أيام الدم، وبعد ذلك لا تبالي بالدم.

 

(ب) امرأة عادتها أربعة أيام، ينزل بها الدم يومين وينقطع يومين؛ فحكمها: أنها تمتنع عن العبادة في يومي الدم، وتتعبد في يومي الانقطاع، وتضم أيام الحيض حتى يكتمل لديها سبعة أيام، وبعد ذلك لا تبالي بالدم.

 

ثم إن المستحاضة إذا مضى عليها خمسة عشر يومًا وميزت الدم اعتبرته حيضًا جديدًا، وإلا فهو دم استحاضة وفساد.

 

وعلامة الطُّهر شيئان:

الجُفوف: أي انتهاء أثر الدم.

والقَصَّة: وهي ماء أبيض غليظ، وهي أدل على النقاء من الجفوف.

 

النفاس

النفاس هو الدم الخارج مع الولادة أو بعدها، وأكثره ستون يومًا؛ فما زاد بعدها فهو استحاضة.

فإن تقطع، لفَّقَت الستين وتغتسل كلما انقطع، وتصوم وتصلي.

فإن انقطع نصف شهر، فقد تم الطهر، وما نزل بعد ذلك فهو حيض.

وعلامة الطهر منه: جفوف أو قصة، وهي أبلغ في النقاء.

 

ما تقدم من الطهارة والنجاسة والوضوء والغسل والتيمم - وسائل للمقصد الأسمى، وهو الصلاة التي جعلها الله عماد الدين وعنوان الإيمان وأساس الخير والفلاح، فلا يحافظ عليها إلا مؤمن ولا يتهاون فيها إلا منافق، ولقد شهد العام والخاص والمؤمن والكافر بما للصلاة من حكم تهذيبية وأخرى طبية واجتماعية، وكفى أنها مدعاة للنظافة ووسيلة إلى تحريك العضلات المختلفة، وفيها يَشرُف العبد بالمثول بين يدي مولاه خمس مرات في اليوم والليلة، يحظى بمناجاته، ويسعد بالضراعة إليه والذلة له والثناء عليه بما هو أهله، وفي هذا من تربية النفس وتجميلها وتخليتها عن الفحشاء والمنكر وتحليتها بمكارم الأخلاق ما لا ينكره إلا عنيد مكابر.


Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog