نعمة الله على هذه الأمة برسالة النبي وما حصل لها
به من التفضيل
إن
الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أما بعد:
يقول الله تبارك وتعالى ﴿ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ﴾
روي عن ابن عباس،رضي اللَّه عنهما، أَنه قال
إِنساناً لأَنه عهد إِليه فَنَسيَ ) الانسان إِنما سمي(
وهذا ما جاء في قولُه تعالى:
( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) طه 115
فالنسيان صفة موروثة لا تنفك عنه, و من ثم وجب تذكيره.
ونحن نعتز و نحتفل بكل محطة تذكيرمن شأنها أن تحيي فينا
مشاعرالطاعة, ومن أعظم هذه المحطات والتي تعتبر عند المسلمين نعمة :
هذا الحدث الفريد الذي يجعلنا نفكر في عظمة هذا الرجل كرسول وقدوة. تحثنا على التعلق به و محبته والتمسك بسيرته و شمائله لتتعمق علاقتنا بالله أكثر ويتعمق فهمنا لديننا في زمن تعاظمت فيه الشهوات والضلالات.
فلماذا اعتبر مولد النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر النعم التي
أنعم الله بها على الانسانية.؟
لقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم في أسوء فترة عرفتها
البشرية. ولن تدرك قيمة النور إلا إذا عرفت الظلام،
قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كان العالم يعج بصور شتى من الانحرافات العقدية والأخلاقية والطبقية والاستعباد والاغتصاب للحقوق بكل صورها لا يختص ذلك ببلد دون آخر، والفارق هو في ازدياد فئة لنوع من الشر على فئة أخرى. ظلمات بعضها فوق بعض .
لبيان ما وصلت اليه البشرية من انحطاط يكفي أن نذكر بعض ما جاء في حديث رسول
الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه، فإنه عليه
الصلاة والسلام في هذا الحديث وضع حال الأرض قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، فقال:
أنَّ رَسولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ ذَاتَ يَومٍ في خُطْبَتِهِ: أن الله قال :
.....إنِّي خَلَقْتُ
عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وإنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ
فَاجْتَالَتْهُمْ عن دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهمْ،
وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بي ما لَمْ أُنْزِلْ به سُلْطَانًا، وإنَّ اللَّهَ
نَظَرَ إلى أَهْلِ الأرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إلَّا بَقَايَا
مِن أَهْلِ الكِتَابِ، وَقالَ: إنَّما بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ
بكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ المَاءُ....
إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب.
وصل حال أهل الأرض إلى
حالة من البعد عن الله والشرك و التردي والفضائح والضياع الشديد، إلى الدرجة التي
يمقتهم فيها الله عز وجل، والمقت هو شدة الكراهية، وكلمة (بقايا) توحي بأنهم مجرد آثار،
وليس ثمة أثر مباشر لهم في واقع الناس، وهذه البقايا لم تكن مجتمعات، يعني: ما كانت مثلاًَ
مجتمعاً صالحاً في مكان ما على الأرض، بل كانوا أفراداً معدودين، رجل في مدينة،
ورجل في مدينة أخرى يبتعد عنه مئات أو آلاف الأميال، وهكذا.
فالمقت لم يكن خاصا بقوم من الأقوام – عاد أو ثمود أو لوط كما كان
الأمر من قبل بل كان المقت شاملا للبشر- لأهل الأرض جميعا - وهذا شيء بشع جدا.
فولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ النور يزيح الظلمات التي تراكمت حوالي 600 سنة, فانقطاع الوحي دام 600 سنة وهي الفترة بين بعثة عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم, وهي أطول مدة عرفها انقطاع الوحي ولم تكن البشرية تعرف مثل هذا لأن الأنبياء كانوا قريبين بعضهم بعض, حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " كَانَت بَنُو إسرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبياءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبيٌّ، وَإنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي، "
عن أَبي هريرةَ.
وحتى الأنبياء من قبل كانوا يخلف بعضهم بعضا ويتبع بعضهم بعضا دون انقطاع كما جاء في كلامه جل جلاله عن الأمم من نوح الى سيدنا موسى عليهما السلام:
﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ ۖ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ۚ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ۚ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ ﴾
وقال هود لقومه :
﴿ واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون ﴾
وقال صالح لقومه
﴿ وَٱذْكُرُوٓاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعْدِ عَادٍۢ وَبَوَّأَكُمْ فِى ٱلْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ ﴾
وقال شعيب لقومه:
- ﴿ وَيَٰقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِىٓ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَٰلِحٍۢ ۚ وَمَا قَوْمُ لُوطٍۢ مِّنكُم بِبَعِيدٍۢ ﴾.
فالانقطاع الذي جاء بعد موسى عليه السلام جديد على البشرية
ثم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ميلاده رحمة للعالمين.
لاشك ان جميع الأنبياء رحمة الا أن الله بعثهم رحمة لقومهم كما جاء في كتاب الله:
- ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
- ﴿ وإلى عاد أخاهم هودا ۗ قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾
- ﴿ وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾
- ﴿ ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ﴾
- ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾
- ﴿ وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ﴾.
أما محمد صلى الله عليه وسلم فهو هداية للناس جميعا - فقد قال الله في وصفه:
- ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾
أي شديد الرأفة والرحمة بهم، ولهذا كان حقّه مقدما على سائر حقوق الخلق، وواجب على الأمة محبته والإيمان به وتعظيمه وتعزيره وتوقيره " .
فاللهم ارزقنا محبة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - واتِّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفَّنا على ملَّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم اجمعنا به في جناتك جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، في جوارك يا رب العالمين، اللهم تقبل منا صالح الأعمال، وتجاوز عن الكثير من سيئات الأعمال، واجعلنا في هذا الشهر شهر ميلاد رسولك الكريم من المقبولين، واجعلنا من عتقائك من النار يا رب العالمين، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الرحمين.
Commentaires
Enregistrer un commentaire