يوم المؤمن و ليلته -فضل القرأن,
أهمية العلم بفضل القرآن الكريم
المعرفة بفضل القرآن الكريم تجعل المسلم مقبلًا على مصاحبة القرآن؛ فمعرفته بثمرة تعلم القرآن يزيد تعظيمه لكتاب الله، ومراعاته لحرمته، ومعرفته بمكانته، والمؤمن الحق يتخذ القرآن هاديًا ومنيرًا ليميز به بين الحق والباطل؛ فيطمئن إليه وتسكن روحه عند تلاوته، وإذا وسوس له الشيطان ليصرفه عن تلاوته، فإن تذكره لفضل القرآن يجعله أكثر تمسكًا به؛ لرسوخ القرآن في قلبه، وهذا يجعله حريصًا على تعلم علومه؛ فيزيده فقهًا في الدين، ويجعله أعظم دراية بأحكامه.
قراءة القرآن فضلها عظيم:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
« من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف »
بتلاوة القرأن يحصل المسلم الحسنات، وينال الأجر العظيم.
ولحافظ القرآن أجر عظيم عند الله؛ فإن القرآن يشفع لصاحبه يوم القيامة، ويعلي منزلته ودرجته في الجنة؛ فيكون مع الملائكة السفرة الكرام البررة.
ومن فضائل تعلم القرآن وتعليمه: أن جعل الله مَن تعلم القرآن وعلمه غيره خير الناس وأفضلهم.
فضل القرآن الكريم:
كلنا نؤمن أن القرآن الكريم هو الكتاب الذي أنزله الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم، هداية ورحمة للناس جميعًا، وفيه سعادتنا - وفلاحنا.
وهو كتاب الله الخالد وحجته البالغة، وهوالديه أنزله الله لنيتخذه شرعة ومنهاج حياة.
هو معجزة محمد صلى الله عليه وسلم التي عجز الجن والإنس جميعًا عن أن يأتوا بمثلها بعد أن تحداهم الله بذلك؛ فقال الله تعالى:
{ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }،
أعظم الدكر: القرأن الكريم
إن إعادة البناء على خط القرآن والسنة تبدأ من قلب المؤمن، حيث يصير متعلقا بالله تعالى عامرا بحب رسوله، عليه صلاة الله وسلامه، تائبا إلى الله وداعيا الناس إلى التوبة. فالقلب يقول أحد العارفين بالله
( هو مكمن الداء، فإن صح وسلم فهو مركز الإشعاع وهو العنصر الحاسم في معادلة وجود الأمة وانبعاثها ).
لا تحيى القلوب إلا بمداومة الذكر،لانه برهان عملي للتأسي بخير الذاكرين -
لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ،
وشهادة ربانية على الرفعة والفضل: ولذكر الله أكبر ، وقال عز من قائل في سورة الرعد: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله. ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
الذكر هو باب الله الأعظم المفتوح بين العبد وربه ما لم يغلقه العبد بغفلته، وهو ماء حياة القلب مصب الإيمان وملتقى شعبه ومصدر نوره، كيف يُنتظر ممن لا ورد له لازم، وجلوس للذكرعازم - أن يرقى إلى مقام الذاكرين الله كثيرا - ان لم يكن دوام التضرع - ودوام الطلب يخلق الايمان ، وتتفتت العزيمة، وينقطع الحبل .
ومن جملة الذكر، بل أعظم الذكر، القرآن؛ يقول رحمه الله (ولكل من عظّم كتاب الله وخدمه حفظا وتلاوة، وعمل بأمره ونهيه نصيب من ولاية الله ) - وهو ما بين الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم، فقال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [سورة فاطر، آية:
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:
« من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ».
ومنه أيضًا: علو شأن قارئ القرآن، ووصوله إلى المكانة العالية والدرجة الرفيعة التي لا تُعطَى لغيره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
«يُقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارْقَ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها».
يقوا أهل الله: من لا ورد له لا وارد له
المداومة في أوقات معينة على أذكار معينة هي ما يسمى في اصطلاح القوم بالأوراد. والأوراد أوتادٌ راسية عليها يبني المؤمن خيمة الذكر في أرجاء وقته وعامة نشاطه وسُوَيْدَاءِ قلبه.
والورد القراني هو الطريق إلى الله عز وجل لا يستغني عنه مبتدئٌ ولا يزهد فيها واصل (…)
ٍالوِرد من القُرآن هو: الجُزء منه، وهو: ما يُلزم الإنسان به نفسَه من قراءة القرآن الكريم كُلّ يوم - وسُمِّي وِرداً؛ لأنّ المسلم يقصد مُوافاتَه، وقراءَتَه، و لأنّ المسلم بقراءته يَروي ظمأ قلبه ويترقى من ذكر اللسان إالى دكر القلب واللسان.
الأوراد من القرأن والمداومة عليها سنة. وهي بمثابة نَذْر يقطعه العبد الصادق على نفسه يجب عليه الوفاء به.
تعريف الورد من القرآن:
هومِقدار مَعلوم من قراءته؛ فقد يكون الرُّبع، أو السُّبُع، أو النصف منه، أو نَحو ذلك، ويُشار إلى أنّ كُلّ واحدٍ من الصحابة الكِرام -رضي الله عنهم- كان له وِرده الخاصّ به.[٤]
أنواع وِرد قراءة القرآن:
هناك ثلاثة أنواع من الأوراد التي تُستحَبّ للمُسلم المُحافظة عليها مهما كَثُرت شواغله، وهي كما يأتي:[٥]
- النوع الأول: وِرد القراءة
يُستحَبّ أن يكون أقلّه جُزءاً واحداً من القُرآن؛ بحيث يختمه المسلم في الشهر مرّةً واحدة، وهو أقلّ حَدٍّ وَضَعه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لِمَن أرادَ أن يقرأه، وقد تستغرق قراءة هذا الوِرد من الإنسان ساعةً، أو أقلّ من ذلك.
فضل قراءة القرآن:
هناك الكثير من الفضائل التي يتحصّل عليها الإنسان بتلاوته القرآنَ، وبيان بعضها فيما يأتي:
نَيل شفاعة القرآن يوم القيامة لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الذي قال فيه: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ).
خَيرٌ من حُمر النِّعَم لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الذي ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، أنّه قال: (أَيُحِبُّ أحَدُكُمْ إذا رَجَعَ إلى أهْلِهِ أنْ يَجِدَ فيه ثَلاثَ خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمانٍ؟ قُلْنا: نَعَمْ، قالَ: فَثَلاثُ آياتٍ يَقْرَأُ بهِنَّ أحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، خَيْرٌ له مِن ثَلاثِ خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمانٍ).
تنزُّل السكينة والطمأنينة لِما فيه من راحة، وسعادة للقلب، وخاصّةً لِمَن يُعاني من ضيق الصَّدر، والقلق؛ فقد جاء عن عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- أنّه قال: "لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربّكم".
رَفْع الدرجات في الجنّة يوم القيامة لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ إذ قال: (يقالُ لصاحِبِ القرآنِ : اقرأْ وارقَ ورتِّلْ ، كما كنتَ تُرَتِّلُ في دارِ الدنيا ، فإِنَّ منزِلَتَكَ عندَ آخِرِ آيةٍ كنتَ تقرؤُها).
تلاوة القرآن سبب من أسباب الهداية فقد قال -تعالى-: (يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ)
أهمية تلاوة القرآن الكريم تُعَدّ تلاوة القُرآن من سُنَن الإسلام التي يُستحَبّ الإكثار منها؛ لأنّها السبيل إلى فَهم القُرآن، وبالتالي العمل بما جاء فيه، وقد جاء بيان فضل تلاوته في القُرآن الكريم، والسُنّة النبويّة، ومن ذلك قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ*لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ).
- النوع الثاني: وِرد الحِفظ
بحيث يكون للمسلم مِقدارٌ يوميّ من الحِفظ، حتى وإن كان هذا الحِفظ يسيراً، كآيةٍ، أو آيتَين.
قال عليه الصلاة والسلام: « تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ في عُقُلها»؛ أخرجاه.
فضل حفظ القرآن الكريم
إن لحافظ القرآن أجرًا عظيمًا عند الله؛ فإن القرآن يشفع لصاحبه يوم القيامة، ويُعلي منزلته ودرجته في الجنة؛ فيكون مع الملائكة السفرة الكرام البررة، ويتعدى نفعه لغيره في الدنيا والآخرة، ويكون له عظيم الأثر في حياته وبعد مماته، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة».
كما أن حافظ القرآن يَلبس والداه تاجًا يوم القيامة؛ إكرامًا لهما على تربيته على حفظ القرآن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن وعمل بما فيه، أُلبس والداه تاجًا يوم القيامة، ضوؤه أحسنُ من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم، فما ظنكم بالذي عمل بهذا؟».[12]
وكذلك شفاعة القرآن لصاحبه وحفظه له من النار يوم القيامة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفِّعني فيه، قال: فيشفعان».
وكذلك يُقدَّم حافظ القرآن على غيره في إمامة الصلاة، لأحقيته في ذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله».
فضل تعلم القرآن الكريم وتعليمه
ذهب علماء المسلمين إلى أن حفظ القرآن الكريم واجب كفائي على الأمة، حتى لا تدخله يد التحريف، فإن حفظته فئة من المسلمين سقط الواجب عن الباقي، وإن لم يحفظه أحد أثموا جميعًا، وكذلك تعليم القرآن للناس له نفس الحكم، ومن فضائل تعلم القرآن وتعليمه أن جعل الله من تعلم القرآن وعلمه غيره خير الناس وأفضلهم، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».
- النوع الثالث: وِرد التدبُّر
بحيث يكون هُناك تطبيق عمليّ للآيات؛ إذ يُطبّقها الشخص على شكل خُطوات ومراحل؛ فيجعل لنفسه كُلّ يومٍ آية، أو آيتَين، أو ثلاث؛ ليعيشَ معها في حياته، وتصرُّفاته جميعها.[٦]
والحقيقةُ أن التدبرهو باعث اليقين، ومحيي القلب، وشارح الصدر، ومثبت الروح.
ولن تجد أثر القرآن وبركته حتى تعتقد أنك مخاطب به، وعليك أنزل، وإياك أراد وقصد
ومن وُفق لهذا، عاش الهدية، وفاز بالحياة المرضية، وفُتحت عليه المناعم، وسلم الجهل والمآثم.
الأوراد أوتاد
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث على المداومة على الأعمال، يفعل ذلك ويأمر به أصحابه حتى وإن كان العمل يسيرا قليلا، إذ العبرة باستدامة العمل وتثبيته؛ فقد روى البخاري في صحيحه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أحب الأعمال إلى الله الذي يدوم عليه صاحبه”
. وروى مسلم عن أمنا عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحب الأعمال إلى الله أدومها ولو قل”.
وفي رواية لأبي داود عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ اكلفوا من الأعمال ما تطيقون. فإن الله لا يملُّ حتى تملّوا. وإن أحب العمل إلى الله أدومُه ولو قل ”.
فضل أهل القرآن
--------
الورد وبناء الشخصية المسلمة:
1- الورد و الترقية في النسب:
من فضل القرآن على صاحبه أنه ينسبه إليه؛ فيصير من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أهل القرآن هم أهل الله وخاصته»،
ولكي يتصف صاحب القرآن بهذه الصفة؛ فإنه لا بد أن يؤدي حق القرآن، ويُقبل عليه، ويتطهر من الذنوب، ويكثر من الطاعات،
فإن كان المعلوم والمحفوظ هو كتاب الله، فإن ذلك سبب لزيادة شأن حامله وارتفاع قدره وارتقاء نسبه.
2- الورد و التنميةُ الإيمانية:
مثلَ الإيمان بالله كمثلِ شجرة، إن لم تُتعاهَد بالسقي والري، أفلست، وكان نهايتها الفناء، فيجدد الإيمان بالورد اليومي من كتاب الله.
ان الجسد ليحيى بالذكر، فإن الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت!
النماء ينصبُّ في القلب أولًا، فهو موطن الانطلاق والوهج، والعمل والصلاح، وبصلاحه صلاح الجسد، وزيادة الإيمان ونماءه.
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في المدارج: « فلا شيءٌ أنفعَ للقلب من قراءة القرآن بالتدبر؛ فإنه جامع لمنازل السائرين، وأحوال العاملين ومقامات العارفين وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، ولو علم الناس ما في تدبره لاشتغلوا به عن كل ما سواه ».
3 - الورد و تجديدُ اليقين:
الورد القرأني يعلي الإيمان، ويجذِّر التوحيد، ويَحمي المعتقد، ويُثبِّت عند مضلاتِ الفتن.
وكلما قرأ العبدُ القرآنَ واستطعم تدبره رسخَ يقينُه، وزاد عطاؤه، واستقرت هدايته، وزالت عنه الشكوك والشبهات.
القرآن وقودُ التوحيد، ومِشعلُ العمل، وداحضُ الشبهات، وملهمُ القربات، وترياق الأسقام، ومِدادُ الدعوة، وقاهرُ الأعادي، وحجابُ الشهوات، ووثاق الثبات.
قال ابن القيم رحمه الله في "الإغاثة": « والقرآن يوصلك إلى نفس اليقين في هذه المطالب التي هي أعلى مطالب العباد، ولذلك أنزله من تكلم به. وجعله شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين ».
ان قوةَ الدين وكمال الإيمان واليقين، لا يحصلان إلا بكثرة قراءة القرآن واستماعه، مع التدبر بنيَّة الاهتداء به، والعمل بأمره ونهيه..
4 - الورد و تحصيلُ الثواب وتهديب الأخلاق:
القران كتابُ خلقٍ وأدب، فيه مكارم الأخلاق، وروائع الشيم، وفيه قال لرسوله الكريم عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]. وقالت عائشة أمُّ المؤمنين رضي الله عنها:
« كان خلقه القرآن ».
القران يهذّب خلقك، ويصلحَ الاعوجاج - ويداوى تطاولك - ويطيّب السلوكك - وفيه أجمعُ آيةٍ في مكارم الأخلاق:
﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]؛
وكان هذا ديدان السلف في تهذيب سلوكهم بالقرآن وأدبياته.
5 - الورد و الإحياءُ القلبي:
القرأن يحيي القلب مما قد يعتريه من أسقام، وقسوة، أو شحوب واختلاف، جراء ذنوب قاتلة، أو خطايا كاسرة، لا يصلحها إلا القرآن والعيش في ظلاله، والتنعم بهدايته ومواعظه، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس57].
وقال ابن القيم - رحمه الله -: « فما أشدَّها من حسرة، وما أعظمَها من غَبنة، على من أفنى أوقاته في طلب العلم، ثم خرج من الدنيا وما فهم حقائقَ القرآن، ولا باشر قلبَه أسرارُه ومعانيه ».
6 - الورد و الصيانةُ الفكرية:
في القرأن الصيانةُ الفكرية من مزالق الشبهات والخرافات والانحرافات، ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]. ففي التعاهد اليومي للقرأن صيانة للذهنية المؤمنة من التفلت والضلال، لأنّ الذكر بهدايته وعجائبه يمثّلُ الدرع الحامي من الاختراق والعبث الفكري، ومخانق الشبهات القاتلة، فقراءته بالوعي واليقين تصنع الطمأنينة والتسليم، قال عزَّ وجلَّ:
﴿ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام: 55].
﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾[الأنعام: 153]
7 - الورد والانتفاع التوجيهي:
الذي يضبطُ المرءَ وحركاته وسكناته، ويسدِّد منطقه وكلامه، ويصون رده وسلوكه، ويكوِّن له الشخصيةَ المسلمة المستوعبة للكون وتقلباته، فلا زيغَ ولا ضلال، ولا حيرةَ أو انحلال.
فيسمعُ آياتِ ذم (الربا) فيخاف، والنهي عن (الغيبة) فيكف، وزجر (النميمة) فيرتعب، ويحس أن القرآن معه كلما قرأه وسمعه.
ولولا ما في القرأن من أحوال (القيامة) وشدتها وقوارعها، لعمّت الغفلة، ولتناساه الناس…!
يقول بن القيم في "المدارج": « فَلَا تَزَالُ مَعَانِيهِ تُنْهِضُ الْعَبْدَ إِلَى رَبِّهِ بِالْوَعْدِ الْجَمِيلِ، وَتُحَذِّرُهُ وَتُخَوِّفُهُ بِوَعِيدِهِ مِنَ الْعَذَابِ الْوَبِيلِ، وَتَحُثُّهُ عَلَى التَّضَمُّرِ وَالتَّخَفُّفِ لِلِقَاءِ الْيَوْمِ الثَّقِيلِ ».
8 - الورد و الحفزُ الدعوي:
في القرأن الحفزُ الدعوي والبلاغي، الذي يشعرك بواجبك تجاه القرآن عملا، ودعوةً، وإصلاحًا، ونشرًا، وتطبيقًا، على طريقة السلف، المؤمنين من الجن: ﴿ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 29].
تطالع في سير الأنبياء لا تنتهي محاسنهم أو تضعف سماتهم، وتسمع قوله عز وجل ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ .. ﴾ [يوسف: 108]، ثم تمتثل لأمر الرول الكريم وقد قال - صلى الله عليه وسلم - كما في "الصحيح": « بلغوا عني ولو آية ».
9 - الورد و الدليلُ الحاضر و البرهان القاطع:
في القرأن الدليلُ الحاضر و البرهان القاطع على ظنٍ مطروحٍ، أو جهل مسروح، أو خطأ مسموح، لا سيما لمن يتدبر القرآن، ويحسنُ انتزاعَ النص..!
وهي منزلةٌ عليا يبلغها الحفظة والمتجددون مع كتاب الله، وقد وعَوا نصوصه، واستحضروا شواهده كدلائل التوحيد مثلًا، وفقه القصص والأحكام، وخلاصة الآداب،
لقد استخدم القرأن البرهان، والاستدلال، والمقايسة، والمقارنة، كما استخدم القصة لتحقيق العبرة: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ..} [يوسف : 111]
واستخدم التاريخ، ليلفت النظر إلى سنن السقوط والنهوض، وملّك الإنسان حقائق علمية يقينية، واستخدم المثل، وخاطب النفس من الداخل وعرض تقلباتها المتنوعة، وأثار الخواطر وسبر أغوارها، وجيش المشاعر، وحرك العاطفة، ونمى الأحاسيس، واستخدم الحوار والمجادلة، وقدم بعض الحقائق العلمية، ووضع الإنسان على الجادة، وأعطاه دليل رحلة البحث العلمي ومفاتحه، وجعل ذلك تكليفا ومسؤولية.
10 - الورد و الاتساعُ التدبري:
فمع الاستدامةِ القرائية، والغوصِ التدبري، تنفجرُ معانٍ جديدة، واستنباطاتٌ عزيزة، لا يحصِّلها إلا الأكابرُ في العلم، والجهابذة في الفهم والحكمة. وهذا سرٌ من أسرارِ القرآن، أن قراءته الدائمة لا تزال تفيض معاني جديدة، وحكمًا فريدة.
وكل من أدمنه قراءةً وتدبرًا، فاق نظراءَه وأقرانه، وهذا مدرك عند أئمة مشاهير وهدا من فتح الله عليهم في هذا الباب فقهًا وحذقًا، كما قال علي رضي الله عنه: « إلا فهمًا يؤتيه الله عبدًا في كتابه ».
11 - الورد و السرورُ اليومي:
في القرأن السرورُ اليومي الانشراحُ المتجدِّد الذي يدفع غلواءَ الحياة وحُزنها، ويذيبُ عنتَها وعناءها، فالحياة كلها تعبٌ ومناكد ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4].
فهو يكابد ويعاني ويحزن، ولا مخرج له من ذلك إلا بتلاوة القرآن، وترداد الأذكار، والمحافظة على الزاد اليومي، وأكسير السعادة المتجدد ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [الشرح: 1].
والعجيب أن هذا السرور يتحول إلى طاقةٍ حية، وغذاء جسدي يغني عن كل غذاء، ويَشفي من كل بلاء، « وأنفع الأغذية غذاء الإيمان، وأنفع الأدوية دواء القرآن وكل منهما فيه الغذاء والدواء ».
Commentaires
Enregistrer un commentaire